ما الذي يرجوه الانسان في حياته أو من حياته؟ هل يرجو أن يحيا حياة ميسورة 'وخلاص كده'؟! ثم يمضي إلي مثواه قبل الأخير طيب الذكر؟ هل هذا كل شيء؟! وهل هذا يستحق أن يكابد الإنسان من أجله المشاق والعقبات والصعوبات والأزمات؟ لو كان ذلك كذلك لما كان لهذا كله أي معني.. لأن الحياة قصيرة وقد تنتهي في أي لحظة.. فلا يكون لما كابده الانسان فيها اي مردود يستحق الذكر.
ولكن الأمر يتغير تماما إذا كان هذا الانسان يسعي من اجل كسب الرزق عن طريق مهنة او منصب او تجارة الي آخره، وفي ذهنه أولا وقبل كل شيء وبعد كل شيء، ان هذا مرتبط بمصيره في الآخرة، وهي مثواه الأخير.. ليدخل الجنة ويخلد فيها إلي ما نهاية.. هنا يصبح الأمر مختلفا تمام الاختلاف.. لأن الخلود في الجنة يبرر كل سعي وكل جهد لبلوغه بالعمل الصالح في حياتنا الأولي القصيرة التي تنتهي بالموت.. وهو المرحلة السابقة علي البعث والنشور، والحساب والجزاء الذي يرجي ان يكون الجنة والخلود في نعيمها أبد الدهر.
وهذا هو ما يريده لنا خالقنا ( مٌن عٌملٌ صٌالحْا مّن ذٌكٌر أٌو أنثٌي وٌهوٌ مؤمن فٌلٌنحييٌنٌّه حٌيٌاةْ طٌيّبٌةْ وٌلٌنٌجزيٌنٌّهم أٌجرٌهم بأٌحسٌن مٌا كٌانوا يٌعمٌلون )ٌ
أي أن الله سيؤمن للمؤمن الصالح حياة طيبة في الدنيا، ثم في الآخرة يدخله الجنة خالدا فيها.. هذا هو ما يستحق الذكر، وما يستحق الجهد والمعاناة التي نكابدها في حياتنا الأولي هذه.. فالحياة الميسورة في الدنيا لو لم تنته بدخول الجنة في الآخرة، لما كان لها اي قيمة، لأنها اي حياتنا الدنيا مهما تغشاها من مظاهر البذخ والرفاهية والسعة فهي الي نهاية محتومة، أما اذا كان امتداد هذه الحياة الي نعيم لا ينقضي ولا يزول، فهذا هدف يستحق ان نبذل من اجله كل ما في وسعنا من وقت وجهد ومال.. وهذا ما يذكرنا به ربنا تبارك وتعالي
مٌا عندٌكم يٌنفٌد وٌمٌا عندٌ َاللٌّه بٌاق وٌلٌنٌجزيٌنٌّ الٌَّذينٌ صٌبٌروا أٌجرٌهم بأٌحسٌن مٌا كٌانوا يٌعمٌلونٌ 96
فإذا صبرنا علي ما نلاقيه في حياتنا الدنيا من مشاق وآلام ومنغصات ومؤرقات.. إذا صبرنا علي ذلك واحتسبناه عند الله، فإن الله سيجزينا بأحسن ما كنا نعمل.. أي يحتسب لنا درجاتنا ليس علي متوسط ما عملناه من خير، ولكن علي مستوي أفضل ما قدمناه من الباقيات الصالحات، وهي كل ما نفعله ابتغاء وجه الله وطمعا في مرضاته
َالمٌال وٌالبٌنونٌ زينٌة َالحٌيٌاة َالدّنيٌا وٌالبٌاقيٌات َالصٌّالحٌات خٌير عندٌ رٌبّكٌ ثٌوٌابْا وٌخٌير أٌمٌلاْ 46
فإذا كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا فإن الباقيات الصالحات هي التي تبقي لصاحبها في الآخرة وتمنحه الثواب الذي يعطيه الأمل والرجاء في دخول الجنة.
فالله يدلنا علي طريق الفلاح في الدنيا والرجاء والأمل في الآخرة، وعلي المؤمن أن يجاهد نفسه ويجاهد الظروف من حوله، ليبلغ هذا الهدف الذي يتواري إلي جانبه أي هدف يمكن بلوغه في حياتنا الدنيا.. ولقد سمي رب العزة كل ما نبذله من أجل دخول الجنة والنجاة من النار بالباقيات الصالحات.. وهي الفرائض والنوافل وأعمال البر والخير علي تنوعها واتساعها، من تقديم العون المادي والمعنوي لمن يحتاج إلي هذا العون من أهلينا ومعارفنا، فإن لم يكن منهم من يستحق العون، فالأيتام والمرضي والعجزة والأرامل يستحقون أن نبذل لهم ما نستطيع وما في وسعنا، ولذلك يقول جل جلاله مرة أخري عن الباقيات الصالحات
ٌالبٌاقيٌات َصٌّالحٌات خٌير عندٌ رٌبّكٌ ثٌوٌابْا وخٌير مٌّرٌدّْا 76
وخير مردا أي خير وأبقي عند الله ثوابا وعاقبة.
فالذي يدرك أن الله قد منحنا هذه الفرصة الفريدة التي لا تعوض بحال من الأحوال إذا أضعناها، لا يتواني عن طلبها والعمل لاقتناصها واغتنامها بلا كلل ولا ملل، حتي يكون من الخالدين في جنات النعيم.